الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - الاختيار لغةً: تفضيل الشّيء على غيره. واصطلاحاً: القصد إلى أمر متردّد بين الوجود والعدم داخل في قدرة الفاعل بترجيح أحد الجانبين على الآخر.
أ - الخيار: 2 - الخيار حقّ ينشأ بتخويل من الشّارع، كخيار البلوغ، أو من العاقد، كخيار الشّرط. فالفرق بينه وبين الاختيار أنّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فكلّ خيار يعقبه اختيار، وليس كلّ اختيار يكون مبنيّاً على خيار. ب - الإرادة: 3 - الإرادة لغةً: المشيئة، وفي استعمال الفقهاء هي " القصد "، أي اعتزام الفعل والاتّجاه إليه، فيقولون في طلاق الكناية مثلاً: إن أراد به الطّلاق وقع طلاقاً، وإن لم يرد به طلاقاً لم يقع طلاقاً. ويقولون في العقود: يشترط لصحّتها تلاقي الإرادتين. ويقولون في الأيمان: يسأل الحالف عن مراده... وهكذا. ومن هنا يتبيّن أنّ كلّ اختيار لا بدّ أن يشتمل على إرادة، وليس من الضّروريّ أن يكون في كلّ إرادة اختيار. ج - الرّضا: 4 - يفرّق الحنفيّة دون غيرهم بين الاختيار والرّضا. وإذا كان الاختيار كما تقدّم ترجيح أحد الجانبين على الآخر، فإنّ الرّضا. هو الانشراح النّفسيّ، ولا تلازم بينهما بوجه عامّ، فقد يختار المرء أمراً لا يرضاه. ويظهر هذا التّفريق عندهم - أي الحنفيّة - في مسائل الإكراه، فالإكراه غير الملجئ - كالضّرب المحتمل، والقيد، ونحوهما - يفسد الرّضا ولكنّه لا يفسد الاختيار، أمّا الإكراه الملجئ فإنّه يعدم الرّضا ويفسد الاختيار.
5 - لكي يكون الاختيار صحيحاً لا بدّ أن يكون من له الاختيار مكلّفاً، وأن يكون في قصده مستبدّاً، أي: لا سلطان لأحد عليه. وعلى هذا فإنّ الاختيار يكون فاسداً إذا اختلّ شرط من شروط التّكليف، بأن كان من له الاختيار مجنوناً، أو صغيراً غير مميّز، أو كان اختياره مبنيّاً على اختيار غيره، فإذا اضطرّ إلى مباشرة أمر بالإكراه الملجئ، كان قصده بالمباشرة دفع الإكراه حقيقةً، فيصير الاختيار فاسداً؛ لابتنائه على اختيار المكره - بالكسر - وإن لم ينعدم أصلاً.
6 - إذا تعارض الاختيار الفاسد والاختيار الصّحيح، وجب ترجيح الاختيار الصّحيح على الاختيار الفاسد إن أمكن نسبة الفعل إلى الاختيار الصّحيح. وإن لم يمكن نسبته إلى الاختيار الصّحيح بقي منسوباً إلى الاختيار الفاسد، كما هو الحال في الإكراه على الأقوال وعلى الأفعال الّتي لا يصلح أن يكون فيها الإنسان آلةً لغيره، كالأكل والوطء ونحوهما. ومحلّ تفصيل ذلك بحث (إكراه).
7 - التّخيير إمّا أن يكون صادراً عن الشّارع، كتخيير المستنجي بين استعمال الماء أو الحجارة ونحوها للاستنجاء، وتخيير الحانث في التّكفير عن يمينه بين ما تضمّنته الآية من خصال. وإمّا أن يكون صادراً عن غيره كتخيير الشّريك شريكه بين شراء حصّته من الدّكّان أو بيع حصّته له، أو بيع الدّكّان كاملاً لشخص ثالث. ولا يملك التّخيير إلاّ صاحب الحقّ أو من ينوب عنه شرعاً. وسيأتي الكلام على ذلك مفصّلاً في مصطلح (تخيير) إن شاء اللّه تعالى. 8 - أ - الحقوق على نوعين، حقوق اللّه تعالى، وحقوق العباد. أمّا ما يتعلّق بحقوق اللّه تعالى من الواجب المعيّن كالصّلاة ومن المحرّم كالزّنى، فلا اختيار للعبد فيها من النّاحية التّكليفيّة. أمّا ما يتعلّق بحقوق العباد كالدّين، والهبة، والرّدّ بالعيب، والأخذ بالشّفعة، ونحو ذلك، فإنّ له فيه اختياراً. قال الشّاطبيّ: «ما كان من حقوق اللّه فلا خيرة فيه للمكلّف على حال، وأمّا ما كان من حقّ العبد في نفسه فله فيه الخيرة "، من حيث جعل اللّه له ذلك لا من جهة أنّه مستقلّ بالاختيار. ب - والتّخيير قد يرد على شيئين كلاهما حلال، وفي هذه الحالة يجوز أن يرد الاختيار على أيّ الشّيئين يريده المخيّر (بكسر الياء). وقد يرد على شيئين كلاهما محرّم، فإذا ما أكره المخيّر (بفتح الياء) على اختيار واحد منهما لزمه اختيار ما كان أخفّ ضرراً؛ لأنّه يرتكب أخفّ الضّررين لاتّقاء أشدّهما. وقد يرد على شيئين أحدهما حلال والآخر حرام، وفي هذه الحالة لا يجوز أن يرد الاختيار على غير الحلال.
9 - الاختيار شرط لترتّب الثّواب والعقاب في الآخرة، وهو شرط لترتّب العقوبة على الفعل في الدّنيا، ومحلّ بحث ذلك كلّه مصطلح (إكراه).
10 - شرع الاختيار لتحقيق مصالح العباد الّتي هي غاية من غايات الشّريعة، وهذه المصلحة قد تكون مصلحةً فرديّةً للمختار نفسه أو غيره عندما يكون محلّ الاختيار قاصراً عليه لا يتعدّاه إلى غيره. وقد تكون المصلحة الّتي يجب توخّيها في الاختيار مصلحةً جماعيّةً.
11 - اختيار المستنجي بين استعمال الماء وغيره من أدوات التّطهير، ذكره الفقهاء في كتاب الطّهارة، باب الاستنجاء. واختيار المنفرد بين الجهر والإسرار في الصّلوات الجهريّة، ذكره الفقهاء في كتاب الصّلاة. واختيار من رخّص له في الجمع بين الصّلاتين بين الجمع وعدمه ذكره الفقهاء في كتاب الصّلاة، باب صلاة المسافر. واختيار الّذي قرأ آية السّجدة في الصّلاة بين السّجود حالاً والإرجاء، ذكره الفقهاء في كتاب الصّلاة باب سجود التّلاوة. واختيار الحاجّ بين الإفراد والتّمتّع والقران، واختياره في فدية حلق الشّعر بين الصّيام والصّدقة والنّسك، واختياره بين الحلق والتّقصير في التّحلّل من الإحرام، واختياره بين التّعجّل في يومين - من أيّام منًى - وبين التّأخّر، ذكر الفقهاء ذلك كلّه في كتاب الحجّ. واختيار دافع الزّكاة - عند البعض - إن لم يجد السّنّ المطلوبة في زكاة الإبل أن يدفع السّنّ الأدنى مع دفع الفرق - وهو عشرة دراهم - أو يدفع السّنّ الأعلى مع أخذ الفرق. كما نصّوا على ذلك في كتاب الزّكاة. واختيار المسافر بين الصّوم والفطر، عند البعض، كما ذكروا ذلك في كتاب الصّيام. - واختيار الحانث بين الإعتاق والكسوة والإطعام في الكفّارة كما نصّوا على ذلك في كتاب الأيمان. واختيار الزّوج في الطّلاق الرّجعيّ بين إرجاع زوجته أو بتّ طلاقها، واختيار الزّوجة الّتي خيّرت بين إيقاع الطّلاق وعدمه كما هو منصوص عليه في كتاب الطّلاق من كتب الفقه. واختيار الصّغير عند انتهاء مدّة الحضانة أحد والديه ليكون معه - عند البعض - كما هو منصوص عليه في كتاب الحضانة من كتب الفقه. واختيار صاحب الحقّ بين مطالبة الأصيل أو الوكيل، أو مطالبة أيّ الكفيلين شاء كما هو مذكور في كتاب الوكالة، وفي كتاب الكفالة من كتب الفقه. واختيار الصّغيرة المتزوّجة حين بلوغها بين البقاء على النّكاح أو فسخه، كما هو مذكور في خيار البلوغ من كتب الفقه. واختيار الأمة المتزوّجة إذا عتقت بين البقاء على النّكاح أو فسخه كما هو مذكور في خيار العتق من كتب الفقه. والاختيار يبحث أيضاً " في العيب وفي تفرّق الصّفقة وغيرها من الخيارات العقديّة. واختيار من له الشّفعة بين الأخذ بالشّفعة والتّرك كما هو مذكور في كتاب الشّفعة من كتب الفقه. واختيار الإمام في الأراضي المفتوحة عنوةً بين قسمتها ووقفها كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الجهاد باب الغنائم. واختيار الإمام بين التّنفيل وعدمه في الجهاد كما هو مذكور في بابه. واختيار الإمام بين الإجابة إلى الهدنة وعدمها كما هو مذكور في كتاب الجهاد من كتب الفقه. واختيار القاضي العقوبة الرّادعة في التّعزير كما هو مذكور في باب التّعزير من كتب الفقه.
1 - الاختيال في اللّغة يطلق بمعنى الكبر، كما يطلق بمعنى العجب، ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن هذين الإطلاقين.
أ - الكبر: 2 - من المعلوم أنّ الكبر ينقسم إلى باطن، وظاهر فالباطن هو خلق في النّفس، والظّاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح. واسم الكبر بالخلق الباطن أحقّ، وأمّا الأعمال فإنّها ثمرات لذلك الخلق. وخلق الكبر موجب للأعمال، ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال: تكبّر، وإذا لم يظهر يقال: في نفسه كبر، فالأصل هو الخلق الّذي في النّفس، وهو الاسترواح والرّكون إلى رؤية النّفس فوق المتكبّر عليه. ولهذا فإنّ الكبر يستدعي متكبّراً عليه؛ لأنّه لا يتصوّر أن يكون متكبّر، إلاّ أن يكون مع غيره، وهو يرى نفسه فوق هذا الغير في صفات الكمال، فعندئذ يكون متكبّراً، ولا يكفي أن يستعظم نفسه ليكون متكبّراً، فإنّه قد يستعظم نفسه، ولكنّه يرى غيره أعظم من نفسه، أو مثل نفسه، فلا يتكبّر عليه. ولا يكفي أن يستحقر غيره. فإنّه مع ذلك لو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبّر. بل ينبغي ليكون متكبّراً أن يرى لنفسه مرتبةً ولغيره مرتبةً، ثمّ يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره، فعند هذه الاعتقادات الثّلاثة يحصل فيه خلق الكبر. بل إنّ هذه العقيدة تنفخ فيه، فيحصل في قلبه اعتداد، وهزّة، وفرح، وركون إلى ما اعتقده، وعزّ في نفسه بسبب ذلك، فتلك العزّة، والهزّة، والرّكون إلى العقيدة هو خلق الكبر. ب - العجب: 3 - العجب في اللّغة هو: الزّهوّ، يقال رجل معجب: يعني مزهوّ بما يكون منه حسناً أو قبيحاً. وأصل العجب عند العلماء هو حمد النّفس، ونسيان النّعمة، وهو نظر العبد إلى نفسه، وأفعاله، وينسى أنّ ذلك إنّما هو منّة من اللّه تعالى عليه، فيحسن حال نفسه عنده، ويقلّ شكره، وينسب إلى نفسه شيئاً هو من غيرها، وهي مطبوعة على خلافه. ح - التّبختر: 4 - التّبختر مشية خاصّة، وهي مشية المتكبّر المعجب بنفسه. والتّبختر آفة من الآفات المهلكة؛ لأنّه مظهر من مظاهر العجب والكبر. 5 - وهذه الألفاظ المتشابهة يفرّق بينها بأنّ الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبّر يجلّ نفسه، والمعجب يستكثر فضله. والكبر يستلزم متكبّراً عليه؛ لأنّه لا يتحقّق إلاّ بذلك، أمّا العجب فلا يستلزمه؛ لأنّ العجب صفة نفسيّة، فقد يعجب الشّخص بلبسه أو مشيته أو علمه... إلخ. كما أنّ العجب قد يحدث بأسباب الكبر كالعلم، والعمل، والنّسب، والجمال، والمال... إلخ، وقد يحدث بغير أسباب الكبر كعجبه برأيه الخطأ الّذي يزيّن له بجهله. والاختيال أحد مظاهر الكبر، سواء في المشي، أو الرّكوب، أو اللّباس، أو البنيان. وقد يكون مظهراً لإعجاب المرء بنفسه، ذلك أنّ من أسباب العجب الجمال، والمال. واللّباس والرّكوب والمشي من الجمال والزّينة. وكذلك فإنّ العجب آفة نفسيّة تحتاج إلى إظهار آثارها، ولهذا فقد يظهر العجب في صورة اختيال في المشي أو اللّباس.. إلخ. أمّا التّبختر فهو مظهر من مظاهر الكبر، والعجب، والاختيال، وهو خاصّ بالمشي، يقال: فلان يمشي البختري، أي مشيةً حسنةً. فأهل هذا الخلق ملازمون للفخر، والخيلاء. فالمرح مختال في مشيته.
6 - الأصل في الاختيال أنّه حرام، وهو من الكبائر، لنهي اللّه ورسوله (ص) عنه، وسيأتي دليل كلّ مظهر من مظاهر الاختيال عند بيانه. ومظاهر الاختيال كثيرة، منها الاختيال في المشي والرّكوب، ومنها الاختيال في اللّباس، ومنها الاختيال في البنيان. أ - الاختيال في المشي: 7 - الاختيال في المشي يحدث بتجاوز الإنسان حدّ القصد والاعتدال في مشيته. والقصد في المشي يكون بين الإسراع والبطء. والمعنى أنّ الإنسان لا يسرع في مشيته بأن يثب وثب الشّطّار، لقوله عليه السلام: «سرعة المشي مذهب بهاء المؤمن» كما أنّه لا يبطئ في مشيته بحيث يدبّ على الأرض دبيب المتماوتين المتثاقلين. ولهذا أمر اللّه بالقصد في المشي، فقال تعالى: {واقصد في مشيك}، كما امتدح اللّه تعالى من يقتصد في مشيته ولا يتجاوز الاعتدال بقوله: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}. ومن ثمّ إذا تجاوز الإنسان حدّ الاعتدال والقصد في المشي يكون قد وقع في المحظور، وهو الاختيال. والأصل في تحريم الاختيال في المشي وأنّه من الكبائر قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحاً إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً. كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهاً}. والمراد بالمرح المنهيّ عنه في الآية الكريمة هو الخيلاء في المشي. والمعنى أنّ اللّه نهى عن الخيلاء وأمر بالتّواضع. وقد استدلّ العلماء بالآية على ذمّ الاختيال. ووجه الاستدلال أنّ اللّه تعالى قد أعقب النّهي عن المرح بأنّ ذلك عمل سيّئ مكروه، في: {كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروهاً} فهذا يدلّ على حظره وتحريمه، كما أنّه قرنه بالزّنا والقتل وسائر الكبائر، فدلّ على أنّه من جملة هذه الكبائر. ومن معاني المرح: الكبر، وتجاوز الإنسان قدره، وذلك مذموم، ومن أدلّة تحريمه أيضاً ما روي أنّه عليه السلام قال: «من تعظّم في نفسه، واختال في مشيته، لقي اللّه وهو عليه غضبان». ب - الاختيال في اللّباس: 8 - الاختيال في اللّباس يحدث بسبب تجاوز حدّ الاعتدال والقصد فيه، مع عدم وجود الدّاعية إلى ذلك. والنّيّة والقصد هما الأصل في ذلك. وحدّ الاعتدال والقصد في اللّباس يكون باتّباع ما ورد في صفة اللّباس من آثار صحيحة، واجتناب ما ورد النّهي عنه. وللعرف مدخل في ذلك، ما لم يلغه الشّرع. وفي المواهب: ما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شكّ في تحريمه، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه، ما لم يصل إلى جرّ الذّيل الممنوع منه. ونقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كلّ ما زاد على العادة في اللّباس لمثل لابسه في الطّول والسّعة. ما يحلّ من ثياب الزّينة ولا يعتبر اختيالاً: 9 - الأصل في لبس الثّياب الجميلة للتّزيّن بها الإباحة، لقوله تعالى: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق}، ولما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر، فقال رجل: يا رسول اللّه إنّ الرّجل منّا يحبّ أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنةً قال عليه الصلاة والسلام: إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحقّ، وغمط النّاس» رواه مسلم. وبطر الحقّ هو دفعه وإنكاره ترفّعاً وتجبّراً، قاله النّوويّ. وفي القاموس: بطر الحقّ أن يتكبّر عنده فلا يقبله، والغمط والغمص بمعنًى واحد. وقيل غمص النّاس احتقارهم. والحديث يدلّ على أنّ محبّة لبس الثّوب الحسن، والنّعل الحسنة، وتخيّر اللّباس الجميل، ليس من الكبر في شيء، قال الشّوكانيّ: وهذا ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم. وفي سبل السّلام قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّه يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده»، وفيه دليل على أنّ اللّه إذا أنعم على عبد نعمةً فإنّه يحبّ أن يرى أثرها عليه في مأكله، وملبسه، فإنّه شكر للنّعمة؛ ولأنّه إذا رآه المحتاج في هيئة حسنة قصده ليتصدّق عليه؛ ولأنّ بذاذة الهيئة سؤال وإظهار للفقر بلسان الحال، ولذا قيل: ولسان حالي بالشّكاية ينطق وقيل: وكفاك شاهد منظري عن مخبري، وقد يكون التّزيّن باللّباس واجباً. كتوقّف تنفيذ الواجب عليه، في نحو ولاة الأمور وغيرهم، فإنّ الهيئة الرّثّة لا تحصل معها مصالح العامّة من ولاة الأمور. وقد يكون مندوباً، كما في الصّلوات. قال اللّه تعالى: {خذوا زينتكم عند كلّ مسجد}، وفي الجماعات؛ لحديث: «إنّ اللّه يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده»، وحديث «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال». رواه مسلم، وكما في الحروب لإرهاب العدوّ، وفي المرأة لزوجها، وفي العلماء لتعظيم العلم في نفوس النّاس، وقد قال عمر بن الخطّاب: أحبّ أن أنظر إلى قارئ القرآن أبيض الثّياب. وقد يكون حراماً إذا كان وسيلةً لمحرّم، كمن يتزيّن للنّساء الأجنبيّات، وكمن تتزيّن للرّجال الأجانب. إطالة المرأة ثيابها: 10 - شرع للنّساء إسبال الإزار والثّياب وكلّ ما يستر جميع أبدانهنّ. يدلّ على ذلك حديث «أمّ سلمة أنّها قالت حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول اللّه. قال: ترخيه شبراً. قالت أمّ سلمة: إذن ينكشف عنها. قال: فذراعاً، لا تزد عليه»، إذ به يحصل أمن الانكشاف. والحاصل أنّ لها حالة استحباب، وهو قدر شبر، وحالة جواز، بقدر الذّراع. قال الإمام الزّرقانيّ: ويؤخذ من ذلك أنّ للمرأة أن تسبل إزارها، أي تجرّه على الأرض ذراعاً. والمراد ذراع اليد - وهو شبران - لما روى ابن ماجه عن ابن عمر، قال: «رخّص صلى الله عليه وسلم لأمّهات المؤمنين شبراً، ثمّ استزدنه فزادهنّ شبراً». فدلّ على أنّ الذّراع المأذون فيه شبران. وإنّما جاز ذلك لأنّ المرأة كلّها عورة إلاّ وجهها وكفّيها. ج - الاختيال في الرّكوب: 11 - قد يكون في استعمال المركوب واقتنائه خيلاء، وقد يكون تحدّثاً بنعمة اللّه وإظهاراً لها، مثلها مثل الثّياب الجميلة. ولهذا وجب على كلّ مسلم يتّخذ مركوباً للزّينة ألاّ يكون قاصداً به الخيلاء. والأصل في إباحة اتّخاذ المركوب الجميل للزّينة إذا لم يكن بغرض الخيلاء قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون}، وقوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}. وهذا الجمال والتّزيّن، وإن كان من متاع الدّنيا، فقد أذن اللّه سبحانه وتعالى لعباده فيه. د - الاختيال في البنيان: 12 - يباح للمسلم أن يتّخذ له داراً يسكنها يدفع بها الحرّ والبرد والمطر ويدفع بها الأذى والأعين، وينبغي ألاّ يقصد بها الاختيال أو تؤدّي إليه. هـ - الاختيال لإرهاب العدوّ: 13 - من الاختيال ما يكون محموداً يحبّه اللّه تعالى، وهو الاختيال لإرهاب العدوّ الكافر وإغاظته في الملبس والمشي والرّكوب.
1 - الإخدام لغةً: إعطاء خادم. ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى. الحكم الإجمالي 2 - إعطاء الخادم إمّا أن يكون من الزّوج إلى زوجته ممّن يخدم مثلها أو غير ذلك. فجمهور الفقهاء يرون أنّه يجب الإخدام على الزّوج لزوجته إن كانت ممّن يخدم مثلها، والإنفاق على خادمها الّذي معها لحصول المقصود بذلك.
3 - يذكر الفقهاء الإخدام في مواضع عدّة: فإخدام الزّوج زوجته يذكر في أبواب النّفقات، وإخدام المفلس لزمانته - أي إن كان مريضاً مزمناً، ويحتاج فضلاً عن النّفقة إلى الخادم، أو إن اقتضى ذلك منصبه - يبحث في التّفليس، عند الحديث عمّا يفعل بمال المحجور عليه للفلس، وإخدام المحبوس في التّفليس عند الحديث عن حبس الفلس ليقرّ بما عليه، أو بمال ثبت كتمانه.
1 - الإخراج لغةً الدّفع من الدّاخل. وهو أيضاً الإبعاد والتّنحية. وهو عند الفقهاء كذلك.
التّخارج: 2 - يفرّق الفقهاء بين الإخراج والتّخارج، فيجعلون بينهما عموماً وخصوصاً فيخصّون التّخارج بتصالح الورثة على إخراج بعضهم من الميراث بشيء معلوم من التّركة.
3 - ما يكون به الإخراج: يتبيّن من استقراء كلام الفقهاء أنّهم يعتبرون إخراج كلّ شيء بحسبه: أ - فالإخراج للإنسان القائم من الدّار يكون بإخراج قدميه عند البعض، وعند البعض الآخر يكون بإخراج إحدى قدميه إن كان يعتمد عليها، وإن كان قاعداً يكون بإخراج رجليه وبدنه، وإن كان مستلقياً يكون بإخراج أكثر بدنه، كما فصّل ذلك الفقهاء في كتاب الأيمان عند كلامهم على اليمين على الدّخول والخروج. ب - والإخراج من المدينة يكون بمجاوزة عمرانها ببدنه. ج - والإخراج من الدّار المسكونة يكون بإخراج السّاكن بنفسه ومتاعه وعياله. د - وإخراج الزّكاة والكفّارات يكون بتمليكها للفقير عند البعض، حتّى لو تلفت قبل ذلك وجب عليه إخراجها ثانيةً. وعند البعض الآخر يكون إخراجها بالعزل دون اشتراط التّمليك، حتّى لو تلفت بعد العزل بغير تعدّ لم يكلّف المزكّي إخراجها ثانيةً، كما ذكر الفقهاء ذلك في كتاب الزّكاة، وفي كتاب الكفّارات. هـ - وإخراج المسروق من الحرز يكون بإخراجه ظاهراً - أي مظهراً - عند الحنفيّة، ولا يشترط ظهوره عند غيرهم، فمن ابتلع جوهرةً وخرج بها لا يقطع عند الحنفيّة، ويقطع عند غيرهم، كما ذكر الفقهاء ذلك في كتاب السّرقة. وذهب جمهور الفقهاء خلافاً للحنفيّة إلى أنّ الإخراج ينسب إلى الفاعل إذا كان ابتداء الإخراج منه، ولا يضرّ انقطاعه بعد ذلك، ولذلك قالوا في إخراج المسروق من الحرز وإلقائه بعيداً ثمّ أخذه إيّاه إنّه يقطع، كما فسّر الفقهاء ذلك في باب السّرقة عند كلامهم على شروط الإخراج من الحرز.
4 - يتبيّن من استقراء الأحكام المتّصلة بالإخراج أنّه لا ينتظمه حكم واحد، بل يكون حكمه حسب أحواله. فأحياناً يكون الإخراج واجباً - أي فرضاً - كإخراج الزّكاة، والكفّارات وما قام الدّليل على فرضيّته - كما هو مذكور في كتاب الزّكاة وكتاب الكفّارات من كتب الفقه، وإخراج من استحقّ الحدّ من المسجد لإقامة الحدّ عليه، كما هو مذكور في كتاب الحدود من كتب الفقه، وكإخراج المحترفين في المسجد منه. وأحياناً يكون حراماً كإخراج المعتدّة من بيتها بغير حقّ، كما هو مذكور في كتاب العدّة من كتب الفقه، وفي شرح قوله تعالى {لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ} من كتب التّفسير، وكإخراج المتاع من الحرز بنيّة السّرقة، كما هو مذكور في حدّ السّرقة من كتب الفقه.
1 - من معاني الإخلاف في اللّغة عدم الوفاء بالعهد قال الزّجّاج: والعقود أوكد من العهود، إذ العهد إلزام، والعقود إلزام على سبيل الإحكام والاستيثاق، من عقد الشّيء بغيره: وصله به كما يعقد الحبل بالحبل. ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ المذكور.
الكذب 2 - من الفقهاء من سوّى بين الكذب والإخلاف، ومنهم من فرّق بينهما فجعل الكذب في الماضي والحاضر، وإخلاف الوعد في المستقبل. ما يقع فيه الإخلاف: 3 - يقع الإخلاف في الوعد وفي العهد ومن الفقهاء من جعل الوعد والعهد واحداً، ومنهم من جعل الوعد غير العهد، فخصّ العهد بما أوجبه اللّه تعالى أو حرّمه، وجعل الوعد فيما عدا ذلك.
4 - على التّفرقة بين العهد والوعد يكون إخلاف العهد حراماً أمّا الإخلاف بالوعد فقد قال النّوويّ: وقد أجمع العلماء على أنّ من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده وهل ذلك واجب أم مستحبّ؟ فيه خلاف بينهم. ذهب الشّافعيّ وأبو حنيفة والجمهور إلى أنّه مستحبّ، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم. وذهب جماعة إلى أنّه واجب، قال الإمام أبو بكر بن العربيّ المالكيّ: أجلّ من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز. قال: وذهبت المالكيّة مذهباً ثالثاً أنّه إن ارتبط الوعد بسبب كقوله: تزوّج ولك كذا، أو احلف أنّك لا تشتمني ولك كذا، أو نحو ذلك، وجب الوفاء، وإن كان وعداً مطلقاً لم يجب. واستدلّ من لم يوجبه بأنّه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلاّ بالقبض عند الجمهور، وعند المالكيّة: تلزم قبل القبض. هذا، وإنّ من وعد وفي نيّته الإخلاف فهو آثم قطعاً، ويصدق عليه أنّه على شعبة من النّفاق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
أ - إخلاف الوعد: 5 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الوعد لا يلزم قضاءً إلاّ إذا كان معلّقاً. أمّا المالكيّة ففي رواية عندهم أنّ الوعد بالعقد ملزم للواعد قضاءً إذا دخل الموعود تحت التزام ماليّ بناءً على ذلك الوعد، كما إذا قال له: اهدم دارك وأنا أسلّفك ما تبني به. فإذا ما أخلف وعده - ضمن الشّروط الّتي اشترطها الحنفيّة أو المالكيّة - أجبر على التّنفيذ. وأمّا الحنابلة فقد صرّح الرّحيبانيّ منهم بأنّه لا يلزم الوفاء بالوعد حكماً (وفسّره بقوله: أي في الظّاهر). وهو الصّحيح عندهم. ومقتضى حكم الشّافعيّة بكراهة الإخلاف عدم إجبار المخلف على التّنفيذ. ب - إخلاف الشّرط: الأصل في الشّرط أن يكون ملزماً، فإذا أخلفه، اعتبر إخلافه إخلالاً بالعقد أو مثبتاً خياراً، عدا بعض الشّروط الّتي لا يضرّ الإخلال بها في النّكاح خاصّةً؛ لأنّها تعتبر ملغاةً منذ اشتراطها عند البعض، كما ذكر الفقهاء ذلك في كتاب النّكاح.
|